الموشح فن شعري فيه لون جديد من النظم ، ظهر في الأندلس وإزدهر في القرن العاشر الميلادي ( الرابع الهجري ) .
فيه خروج على وحدتي الوزن والقافية وعناية شديدة بالموسيقى ، وذلك لأنه وضع للغناء قبل كل شيء . كما تدخل على الموشح ألفاظ عامية عربية وأعجمية أسبانية ، والوشاح هو الذي ينظم الموشحات . وسمي الموشح هكذا تشبيها ً له بوشاح المرأة وهو قطعة من القماش النفيس المزخرف كانت المرأة الأندلسية تشده بين كتفيها وخاصرتها ، ووجه الشبه هو في الزخرفة والترصيع .
أما بداية هذا الفن فلا ندري بالتحديد متى كانت وعلى يد من نشأ ، فإبن خلدون يرى أن مخترع هذا النظم هو ( مقدم بن معافر الفريري ) الذي ينتمي إلى أواخر القرن التاسع وأوائل القرن العاشر ( الرابع الهجري ) ، بينما ابن بسام يرى انه ( محمد القبري الضرير) أو هو ( ابن عبد ربه ) .
وفيما يتعلق بالغاية التي من أجلها وضع هذا الفن فإن هناك غير رأي . يقول
(ابن خلدون ) بأن المتأخرين من الأندلسيين استحدثوا هذا الفن عندما كثر الشعر عندهم وتهذبت مناحيه وبلغ التنميق فيه الغاية .
ولكن رواد هذا الفن ليسوا متأخرين اذ انهم عاشوا قبل أن يبلغ الشعر الأندلسي درجة عالية من التنميق .
ولعل وضع هذا النوع النظم يعود إلى دوافع موسيقية ، فالمغنون والموسيقيون شعروا بالحاجة إلى تغيير الأصوات والأنغام عن طريق اشتراك عدة مغنيين في جوقة تتنوع فيها الألحان .
وتتعدد المغنيين في غناء واحد حمل الشعراء إلى وضع مقطوعات متعددة ليكفوا بها الموسيقيين مؤونة البحث عن الأشعار الصالحة لهذه الطريقة في الغناء ، فكانت الموشحات المتعددة الأوزان . لهذا نجد ان اكثر الموشحات التي وضعت في الحقبة الأولى من ظهوره حافظت على الوزن الواحد مع تعدد القوافي وتنوع اقسام البيت ، وفيما بعد تحررت كليا ً من الأوزان الخليلية ، مع حفاظ بعض الوشاحين المتأخرين على الوزن الواحد في قصائدهم . ويبدو ان الموشحات لم تكن وقفا ً على فئة معينة مختارة من الناس من دون سواها ، بل جعلت قصائد شعبية بدليل وجود الخرجة الأعجمية والألفاظ الأسبانية أو العامية والمخالفة لقواعد اللغة .
وردت أسماء بعض الوشاحين في كتب المؤرخين ، فعلمنا أن فن التوشيح كانت بدايته على يد ( مقدم بن معافر الفريري ) أو ( محمد القبري الضرير ) أو ( ابن عبد ربه ) ، وهؤلاء ضاعت موشحاتهم . وأول وشاح إشتهرت قصائده هو ( يوسف بن هارون الرمادي ) الشاعر القرطبي الذي عاش أيام الخليفة عبد الرحمن الناصر ، وكان شعره معروفا ً عند العامة والخاصة . ولكن قصائده لم يكن لها ذلك التقسيم الواضح في الأقفال والأبيات ، وإنما كان الرمادي أول من جعل البيت الشعري عدة أقسام أو أغصان أو أسماط .
وقد ضاع ديوان الرمادي ولم تصل منه إلا مقطوعات متفرقة .
ثم جاء ( عبادة بن ماء السماء ) في القرن العاشر الميلادي ، الرابع الهجري ، فإكتملت على يده صورة الموشح ، ولكن موشحاته على كثرتها وبعد التكلف فيه قد ضاعت ولم يبق منها إلا القليل . ويخلط بعض النقاد بينه وبين ( عبادة القزاز ) شاعر المعتصم بن صمادح ملك المرية وفيها يقول :
ولو لم أكــــن عـبــــــدا ً لآل صـمــــــادح
وفي أرضـهـم أصلي وعيـشــي ومــولـدي
لــمــا كـــان لــي إلا إلـيـهـم تــرحـــــــــل ُ
وفـي ظـلـهـم أمـسـي و أضحـي وأغـتـدي
ومن قصائده المشهورة موشحة مطلعها :
بـــــدر تـم شـمـــس الـضـحــى
غـصــن نقـا مـســك شــــــــــم
ومن مشاهير الوشاحين في عصر ملوك الطوائف
( أبو بكر محمد بن عيسى الداني ) المعروف بإبن اللبانة ، وكان شاعر المعتمد بن عباد وتوفي في سنة 507 هجرية ، والمعروف أن إبن اللبانة تبع أميره المعتمد إلى منفاه ومدحه وبعدة قصائد ولم يقبل مكافئته إخلاصا ً منه ووفاء لذكرى الأيام التي قضاها في بلاط أشبيلية .